الاثنين، تموز ٠٥، ٢٠١٠

الجزيرة نت - كتب خضر عواركة : تضارب بالعراق حول فتوى للحائري

الفتوى ترفض حكومة يرأسها علاوي
تضارب بالعراق حول فتوى للحائري


 

التيار الصدري خاض مواجهات مع حكومتي علاوي والمالكي (الفرنسية-أرشيف)



خضر عواركة-الجزيرة نت


كشف مصدر رفيع المستوى بأحد الأحزاب الشيعية العراقية -طلب عدم الكشف عن هويته- للجزيرة نت أن النواب المنتمين لكتلة التيار الصدري في البرلمان يرفضون عودة إياد علاوي إلى رئاسة الحكومة، مبررين ذلك بأنهم تبلغوا من قيادتهم "فتوى" صادرة عن المرجع الشيعي العراقي المقيم في إيران آية الله كاظم الحائري يحرم فيها دعم أي حكومة يرأسها علاوي.

ولم يذكر المصدر مزيدا من التفاصيل حول هذه الفتوى أو وقت صدورها، إلا أن قياديا سابقا في التيار الصدري هو محسن النوري الموسوي استبعد صدور مثل هذه الفتوى عن الحائري، مشيرا إلى أنها قد تكون صادرة عن زعيم التيار مقتدى الصدر.

واعتبر أن اللجوء للترويج بأن الحائري أصدر هذه الفتوى هو للحصول على غطاء من مرجعية مشهود لها بالوزن الفقهي لإعطاء صفة دينية لفتوى سياسية على حد قوله.


وأكد أن الصدريين الذين فازو بـ39 مقعدا في الانتخابات الأخيرة يرون في مقتدى الصدر مرجعا سياسيا ودينيا، وغالبيتهم لم تعد تؤيد مرجعية السيد الحائري الفقهية لأسباب تتعلق بالتيار الصدري لا بالسيد الحائري.


الصدريون يرفضون رئاسة المالكي (يمين) أو علاوي (يسار) للحكومة العراقية (رويترز-أرشيف)

الصدريون يرفضون
وأوضح الموسوي أن التحفظات التي تجعل من رئاسة علاوي للحكومة أمرا مرفوضا من قبل الصدريين لا تتعلق بالفقه ولا بالدين، بل بسبب ما وصفها بالتجربة المريرة التي تمثلت بالمعارك التي خاضتها حكومة علاوي مع جيش المهدي -الذراع العسكري للتيار الصدري– في أغسطس/ آب 2004.

ولفت إلى أن الصدريين يرفضون كذلك تولي نوري المالكي فترة رئاسة جديدة، مرجعين ذلك للحرب التي شنتها عليهم قوات حكومته فيما عرف بعملية صولة الفرسان في مارس/ آذار 2008.


من جهتها قالت الناطقة باسم كتلة العراقية بالبرلمان للجزيرة نت إن من يضع خطوطا حمراء في وجه كتلة العراقية إنما يعمل ضد المشروع الوطني في العراق.

وشككت ميسون الدملوجي في صحة صدور مثل تلك الفتوى عن الحائري، ولكنها قالت إنها من حيث المبدأ لا تعتبر أن هناك تأثيرا لأي فتوى على العملية السياسية سواء صدرت عن الحائري أو غيره.


وكشفت بأن لقاءات متلاحقة تعقد حاليا بين لجان مشتركة شكلتها كل من كتلة العراقية وكتلة دولة القانون التي يرأسها المالكي للوصول إلى تصور مشترك لحكومة وحدة وطنية لا تستثني أحدا حتى الصدريين.

مسافة واحدة
أما مدير التعليم الديني في ديوان الوقف الشيعي بالعراق عمار موسى الموسوي فأعلن أن المرجع الديني كاظم الحائري يقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية على اعتبار أنها تمثل صوت الناخب العراقي.

وأضاف "نحن نعلم أن السيد الحائري يدعو إلى تديين السياسة لا إلى تسييس الدين"، مشيرا إلى أن المرجعيات الدينية العراقية كلها تدعو لحكومة وحدة وطنية لا تستثني أحدا حتى الكتل النيابية الصغيرة.

وأشار الموسوي في حديثه مع الجزيرة نت إلى أن الصدريين استقبلوا علاوي قبل ثلاثة أسابيع في مقر مكتبهم السياسي للتباحث معه حول ائتلاف وطني بينه وبينهم يؤدي إلى تشكل حكومة.

واعتبر أن الحديث عن فتاوى تحرم تولي كتلة معينة الحكم أمر مستغرب على اعتبار أن كل الكتل العراقية مكونات أساسية من العملية السياسية، وتمثل أطيافا هامة من مجموع الشعب.


المصدر: الجزيرة



الخميس، حزيران ٢٤، ٢٠١٠

نقد رواية المتروكة في صحيفة الأخبار اللبنانية - مي المدلل




خضر عواركة: الحب والمقاومة في زمن الاحتلال

مي المدلل

لو صدرت «المتروكة» (دار الآداب) قبل رحلة «أسطول الحرية» إلى غزّة، لقلنا إنّ شخصياتها هي نفسها التي أبحرت على متن الأسطول. في قالب رومانسي وحبكة استخباريّة، يروي خضر عواركة في عمله، حكاية رياض دغلس الشاعر والإعلامي الفلسطيني المنفيّ في باريس، وحبيبته اليهوديّة ميا، التي تركت فلسطين المحتلة لأنها رفضت أن تشارك في «الهولوكوست الفلسطيني». العمل النضالي الذي يتشاركه البطلان يحتم عليهما تنظيم رحلات لنشطاء سلام أوروبيّين إلى فلسطين، لكي يشاهدوا عن قرب وبالصورة العارية، معاناة أهلها مع الاحتلال. لكنّ عواركة يبدأ روايته من مكان آخر، وتحديداً من فصول تلك العلاقة التي جمعت رياض وميا، في عالم الحب والرغبة والجنس. مشاعر يتخيّل البطل للوهلة الأولى أنّها تزاحم نضاله. هكذا، تطفو كلّ الرواسب الثقافية والاجتماعية والدينيّة والسياسيّة على السطح، ما يجعله يقاوم بشدّة تلك «العلاقة المحرّمة» في البداية. يدخلنا عواركة إلى تفاصيل نزاع البطل مع نفسه، وشكوكه الوجودية بعدما أصبحت روحه أسيرة امرأة هي «عدوّه». منطقة جدليّة يقاربها عواركة من خلال حوارات أدبية، وبناء سردي متين وممتع. يتنقّل بسهولة بين أحداث سمتها شدّ الأعصاب الذي تتّصف به روايات التشويق البوليسية، وبين قصة حب نقرأها من خلال أشعار العاشقين المتبادَلة... إلى أن يرضخ رياض أخيراً، ويجد في ميا رفيقته في النضال لا العكس.

«المتروكة» رواية تشبه كثيراً المدن التي تحتضن أحداثها... مدن «كوسموبوليتية ومتنوّعة وغير رتيبة ونهايتها غير متوقّعة». الدين في الرواية ظلال ثقافية، تكون مقبولة طالما لا يصاحبها فرض وإكراه. والعلمنة تتجسّد كمفهوم للممارسة الشخصية غير المتزمتة. أمّا الإلحاد الذي تعتنقه بعض شخصيات الرواية، فلا يبدو متناقضاً مع قناعات رجل دين مقدسي. إذ يلتقي الطرفان حول قضيّة مشتركة: حريّة القدس وفلسطين.



❞من أجل مستقبل حرّ أبعد من الجدران الإسمنتيّة والفولاذيّة❝وبالعودة إلى قصّة رياض وميا، تتّخذ الأحداث منحىً درامياً. يستغل الموساد صديقة قديمة لميا ويحاول الإيقاع بالناشطة وزوجها بعدما أزعجا إسرائيل كثيراً، وخصوصاً لناحية تعاطيهما الذكي مع البروباغندا الإسرائيلية في الغرب، ومحاولتهما الجديّة لتسليط الضوء على جرائم الاحتلال. لاحقاً، يختفي أبطال الفصول الأولى من الرواية، لندخل من جديد إلى عالم الإثارة من خلال قضية البحث عن ابنة رياض وميا التي تركاها في عهدة صديقة، سرعان ما تفقدها بترتيب من والدَي ميا الإسرائيليّين. هنا، تنتقل أحداث الرواية إلى مونتريال. وقد تكون نقطة الضعف الوحيدة في الرواية هي انتقال السرد إلى عمق الغرب في الشرق الكندي. كأنّ الرواية وتفاصيلها المثيرة كُتبت فقط لإقناع الغربيّين بعدالة القضيّة.

أسلوب التغريب المكاني للأبطال واستخدام جهل القارئ العربي بالأمكنة تكتيك يزخر بالجماليّات الوصفية لمدن متخيَّلة مثل مونتريال الكندية، لكنّه أسلوب يضع الرواية وكاتبها تحت مقصلة شعور القارئ بالغربة عن جغرافية المكان. أسلوب يحتمل أيضاً تشتّتاً بين فضول الاكتشاف لدى القارئ، والرغبة في حميميّة مفقودة مع أسماء ومناطق يسمع بها للمرة الأولى. أمّا النهاية، فمفتوحة على الأمل... وتكون على مأساويتها انطلاقة جديدة للحب وللعمل من أجل مستقبل حرّ أبعد من الجدران الإسمنتيّة والفولاذيّة.







عدد الجمعة ٢٥ حزيران ٢٠١٠

إتفاق على رئيس وزراء توافقي في العراق - تقرير خاص الجزيرة نت



آخر ما نشر لخضر عواركة في الجزيرة نت يوم الخميس الرابع والعشرين من حزيران يونيو إضغط للقراء من المصدر






الجزيرة نت-خاص



كشف مصدر عراقي رفيع المستوى مقرب جدا من قيادة التحالف الوطني أن معظم القيادات الشيعية مصرة على اختيار رئيس للوزراء لا يشكل تعيينه أي حساسية داخل ولا خارج العراق.



وقال المصدر -الذي رفض الكشف عن هويته- للجزيرة نت، إن حرص رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي على بقائه كخيار وحيد لرئاسة الوزراء مهما كلف الأمر، هو ما يؤخر الوصول إلى حلول تؤمن انتقالا سلميا وسلسا للسلطة تبعا لنتائج الانتخابات.



يذكر أن التحالف الوطني يضم في صفوفه كل الأطراف الشيعية الفائزة في الانتخابات العامة التي أجريت في السابع من مارس/آذار الماضي.



وكان ائتلاف قائمة العراقية الذي يقوده إياد علاوي وائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي حازا المرتبتين الأولى والثانية في تلك الانتخابات، لكن الأحزاب والجماعات السياسية لم تتمكن بعد من تشكيل الحكومة.



وفي هذا الإطار نفى المصدر أن تكون زيارة رئيس المجلس الأعلى الإسلامي وزعيم الائتلاف الوطني العراقي عمار الحكيم لسوريا تسعى للترويج لعادل عبد المهدي من أجل رئاسة الحكومة في العراق، قائلا إنه ليس" مرشحا رسميا" حتى الآن.



تشاور

وأضاف أن تلك الزيارة خصصت للتشاور مع المسؤولين السوريين ووضع "القيادة السورية في أجواء ما يجري حاليا" في العراق.



واعتبر أن ذلك التشاور" أمر طبيعي في ظل الهجمة الخارجية للتأثير على الوضع العراقي بعد الانتخابات"، وذلك في إشارة إلى الضغوط الأميركية التي تمارس على الأطراف العراقية، وخاصة زيارة المسؤول الأميركي جيفري فيلتمان مؤخرا إلى بغداد.



وحصلت الجزيرة نت على معلومات خاصة من شخصيات عراقية رفضت الكشف عن هويتها أكدت أن تسمية عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة تلقى قبولا من علاوي ومن كافة الأطراف العراقية والدولية والإقليمية، لكن إصرار المالكي على احتفاظه بالمنصب هو ما يؤخر تشكيل الحكومة.



وأضافت أن سوريا أكدت –بخصوص الحكومة العراقية- تأييدها للقرار العراقي السيادي المستقل، وأنها ضد التدخلات الخارجية في الشؤون العراقية الداخلية.



وأشارت المعلومات إلى أن دمشق "أبلغت من يعنيهم الأمر بأنها لا تملك مرشحا عراقيا مفضلا، فهذا شأن عراقي داخلي، وسوريا لا تضع فيتو على ترشيح أي أحد مهما كان لرئاسة الحكومة العراقية لنفس السبب".



وذكرت المصادر أن سوريا أكدت أنها "لا ترى في المالكي خصما لها، وستتعامل مع أي حكومة عراقية يقبلها الشعب العراقي من موقع التسهيل والتعاون لما فيه خير العراق وسوريا".



مواصفات

وترى أطراف شيعية عديدة وأخرى خارجية لها تأثير في العراق أن مواصفات رئيس الوزراء الجديد يجب أن تنطلق من عدم وجود مشاكل لشخصه مع الداخل والخارج، وهذا ما تعتبر تلك الأطراف أنه لا يتوفر لا في علاوي ولا في المالكي.



ومن جهته يصر التيار الصدري على اختيار رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري ، مستعينا على باقي الأطراف بواقع تشكيله للقوة الأكبر في تكتل الائتلاف الوطني.



ويرى المصدر السالف أن الرجل يتمتع بمواصفات جيدة جدا، ولكن الشعب العراقي يحتاج إلى تجارب جديدة في الحكم، والجعفري جرب نفسه والشعب العراقي جربه، ولم تكن تلك التجربة ناجحة لعدة أسباب.



وقال المستشار الثقافي للتيار الصدري راسم المرواني للجزيرة نت إنه لا يمكن القبول بعودة المالكي إلى رئاسة الوزراء، في ظل وجود شخصيات تستحق المنصب ويستحقها الشعب العراقي الذي يريد تغييرا حقيقيا في الحكم عقب الانتخابات، على حد تعبيره.



ومن جهته عزا المحلل السياسي العراقي عباس الموسوي -في تصريح للجزيرة نت- التأخر في تسمية رئيس الحكومة إلى عوامل خارجية، قائلا إن "الوضع العراقي هش والقوى السياسية تخضع للتأثيرات الخارجية بحكم وجود الاحتلال الأميركي، مما يحول العراق إلى ساحة للصراع الإقليمي".



وتوقع الموسوي تواصل التأخر نتيجة تدخل الأميركيين للضغط على الوضع، في مسعى لاستخدام العراق كورقة ضاغطة على إيران.



وكان المالكي قال في وقت سابق إن دخول العامل الإقليمي والدولي على قضية تشكيل الحكومة والحوارات هو الذي عقدها، رافضا مطالب الائتلاف الوطني بتقديم تنازلات في هذا الموضوع. 

الاثنين، أيار ١٠، ٢٠١٠

فاضل الربيعي في الجزيرة نت : مسيحيو العراق والخطر المزدوج ...مقال يستند إلى كتاب الصهيونية المسيحية من الداخل لخضر عواركة

لم يسبق للمسيحية الشرقية في العراق أن واجهت خطر "الاجتثاث من الجذور" كما يحدث لها اليوم. إنها على أعتاب معركة بقاء، حياة أو موت، ولا شيء آخر. ومن يتابع نشاط المنظمات التبشيرية التي تدفقت على العراق منذ عام 1991 مع نشوء ما يسمى "مناطق حظر الطيران"، سيلاحظ أن مئات البعثات التبشيرية قد اتخذت من الإقليم الكردي قاعدة انطلاق آمنة، وصارت تعمل طليقة اليد، تحت غطاء منظمات إنسانية.

وسيلاحظ كذلك أنها تمكنت في وقتٍ قياسيّ، بفضل المساعدات والتسهيلات غير المحدودة التي قدمها الحزبان الكرديان، الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة (رئيس الجمهورية) جلال الطالباني، من تحويل مئات الآلاف من المسيحيين في الموصل وكركوك وأربيل والسليمانية إلى المسيحية "الصهيونية" دفعة واحدة.

وفي السياق ذاته، تمكنت من تحويل مئات الآلاف من الشبان المسلمين في بغداد والبصرة ومدن الجنوب والوسط إلى "معمدانيين جدد". لكن القصة الكاملة لنشاط هذه المنظمات التبشيرية، لم تبدأ فعليا إلا بعد احتلال العراق، حين ارتبط العمل العسكري للسيطرة على الأرض والسكان، بتنفيذ أكبر عملية تلاعب بالثقافات والشعوب والأديان في المنطقة، إذ فور دخول قوات الاحتلال الأميركي مدينة الناصرية في مطلع نيسان/أبريل 2003، تمّ على عجل تنظيم أول اجتماع علني للمعارضة العراقية بزعامة أحمد الجلبي.

"
ليس صحيحًا ما يشاع في وسائل الإعلام، من أن "التنصير" يستهدف المسلمين وحدهم، أو أنهم الموضوع الرئيس لحملات " التحويل الديني" المحمومة التي تقوم بها مئات المنظمات التبشيرية، بل الأدق أن المسيحيين هم المادة الرئيسة في هذا التحويل
"
وكان أمرًا غريبًا ولافتًا، أن هذا الاجتماع اختار الموقع الأثري الشهير في التاريخ الإنساني: أطلال مدينة أور الكلدانيين التي يقال إنها موطن النبي إبراهيم (حسب المزاعم الاستشراقية في تفسير النص التوراتي) لإطلاق إشارة البدء في مخطط التلاعب هذا. ومعلوم أن هذا الاجتماع صادق على فكرة "قانون اجتثاث البعث" والإعلان رسميًّا عن حل الحزب الحاكم. وتلك كانت إشارة لا تماريها العين إلى أن الأهداف العسكرية والثقافية و"الدينية" تترابط بشكل وثيق.

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، تدور في العراق فصول مأساة لم يلتفت إليها أحد.

وفيما يتصل باجتماع "أور" هذا، فإن مضمون وجوهر "الاجتثاث" لم يكن ليتعلق بتصفية إرث حزب سياسي حكم العراق طوال خمس وثلاثين عاما، فتلك مسألة أخرى ربما أقل أهمية وخطورة مما جرى تاليًّا دون ضجيج أو احتجاج، بل بتحوّل "الاجتثاث" نفسه، من فكرة سياسية إلى فكرة دينية، ليس موضوعها الرئيس حزب البعث، وإنما الإسلام والمسيحية على حدّ سواء، أي التاريخ الثقافي للمجتمع بأسره.

وهذا أمر قد يبدو مثيرًا، فلماذا وكيف ولأي غرض يجري "تنصير المتنصرّين"؟ في هذا النطاق المحدود من الحقيقة المسكوت عنها، يجب أن يلاحظ المرء، كيف أن الكنيسة المسيحيّة العراقية (التاريخية) باتت مستهدفة بشكل مكشوف من جانب الكنيسة الإنجيلية (البروتستانتية) الغربية، لتحويل كل مسيحيي العراق والشرق عمومًا ونهائيًّا إلى أتباع لكنيسة واحدة، منتصرة هي كنيسة "المسيحية الصهيونية الجديدة".

إن "صَهْيَنَة" المسيحية الشرقية العراقية بات الهدف المركزي لنشاط الجماعات التبشيرّية. ولذلك، ليس دون معنى أن بيلي غرام، وريث فرانكلين غرام الذي يقود أضخم مؤسسة تبشير مسيحي في العالم، وقف بعد احتلال العراق بأيام فقط، ليقول أمام أتباعه بنبرة المنتصر: آن الأوان لإطلاق الحملة المسيحية "لتنصير العراقيين جميعًا"، وأنه قرر لأجل هذا الغرض، أن يرصد ملايين الدولارات للمساعدة على "فهم أفضل للسلام مع الرّب". وكانت تلك أولى إشارات الشروع في أكبر حملة "تنصير" في هذا البلد التعيس الحظ.

لقد عثرت الحملة الأميركية لتنصير العراقيين على ضالتها في البعد الرمزي والروحي لأطلال مدينة أور"الكلدانيين"، حيث ترفرف هناك أطياف الأب الأعلى للعرب المسلمين والمسيحيين واليهود إبراهيم (عليه السلام). وهذا هو مغزى عقد أول اجتماع للمعارضة في الساعات الأولى للاحتلال، فهو المكان الأكثر رمزية لإطلاق حملة تنصير كبرى، يمكن أن تبدأ من الجنوب "الشيعي"، وأن تصبح فرصة ذهبية من أجل "فتح نافذة للكتاب المقدس في العراق".

هكذا، ووسط دوي المتفجرّات والسيارات المفخّخة التي راحت تضرب الشيعة والسنّة كل يوم تقريبًا على حدٍّ سواء وفي مختلف المناطق، وبينما أخذت أنظار العالم كله تنصرف تلقائيًّا إلى هذا الجانب من المأساة الإنسانية المروّعة، ثمة مأساة أخرى كانت تجري دون دويّ أو ضجيج.

إنها مأساة الكنيسة العراقية التي تواجه خطر "الاجتثاث" المزدوج، ففي حين يجري ضرب وتفجير الكنائس وتنظيم أعمال قتل بمسدسات كاتمة للصوت وحملات "اعتقال" وخطف، تقوم المنظمات التبشيرية بعمليات محمومة لتحويل المسيحيين إلى الكنيسة الإنجيلية ومع ذلك، لم يعد هدف الحملات مقتصرًا على تحويل المسيحيين وحسب، بل بات موجهًا لتنصير العراقيين جميعًا وتخليص أرواحهم من "الدين الشيطاني". وهذا هو الهدف المركزي للكنيسة المعمدانية الجنوبية (القاعدة الأساسية لداعمي إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية) التي تقود أعمال التنصير، تمامًا كما عبّر عنه مون برادي مسؤول عمليات المجلس الدولي للتبشير.

"
تكشّف الاحتلال العسكري في أحد أوجهه، عن كونه "حملة تبشيرية كبرى" بأدوات حربية، بينما تجلتّ حملة التبشير نفسها في كونها "عملا من طبيعة عسكرية" وذلك مع تصاعد عمليات قتل وخطف المسيحيين
"
ويتضح هذا الهدف بجلاء، حين نمعن النظر في مضمون التلازم بين الاحتلال العسكري الأميركي، وتدفق مئات المنظمات التبشيرية التي راحت تتوغل طولاً وعرضًا، بحجّة مساعدة السكان وتلبية المتطلبات والاحتياجات الإنسانية. لقد تكشّف الاحتلال العسكري في أحد أوجهه، عن كونه "حملة تبشيرية كبرى" بأدوات حربية، بينما تجلّت حملة التبشير نفسها في كونها "عملا من طبيعة عسكرية" وذلك مع تصاعد عمليات قتل وخطف المسيحيين. لكنهما معًا، الاحتلال العسكري وأعمال التبشير، يبرهنان بقوة على أن الهدف المشترك هو التلاعب بالأديان والثقافات والشعوب، وأن المسلمين والمسيحيين هدف واحد بين جملة أهداف.

وفي الكتاب الممتاز الذي وضعه الصحفي اللبناني خضر عواركة (الصهيونية المسيحية من الداخل- بيروت، دار الهادي 2006) يمكن تتبع خيوط هذه الحكاية التراجيدية يومًا بيوم، والتعرّف بدقة على مضمون "إعادة التنصير" بالنسبة للمسيحيين، ومضمون تحويل المسلمين إلى الكنيسة الإنجيلية.

ويروي تاريخ هذه الحملات التي بدأت مع الاحتلال البريطاني عام 1917، كيف أن التجمعات اليهودية الصغيرة في الجنوب وبغداد والبصرة، ضجّت بالشكوى من البعثة الدانماركية التي استخدمت أساليب "خشنة" لإرغام اليهود على التحول إلى "المسيحية البروتستانتية"، وأن الحاكم العسكري اضطر إلى وقف نشاطات بعض هذه المنظمات بصعوبة بالغة تفاديًّا للحرج.

آنذاك كان أعضاء المنظمات التبشيرية الذين بلغوا عمق الريف، يتسللون إلى داخل مجتمعات الصيادين ومربي الجاموس في الأهوار، تحت غطاء تقديم "مساعدات إنسانية" طبية وغذائية، وكانوا –كما هو الحال الآن- يخلطون بشكل فاضح بين المساعدات وحمل السكان على التحوّل إلى المسيحية الإنجيلية، وحتى اليوم، يتداول الفلاحون في الريف العراقي، الطرفة التالية التي تسجل، بشكل نقدي لاذع ردّ فعل السكان إزاء محاولات العبث بثقافتهم الروحية.

تقول الطرفة، إن فلاحي العمارة -جنوب- وبعد أشهر من التعليم الديني المكثف على يد قس إنجليزي كان يتباهى أمام زملائه بتحويل الفلاحين المسلمين بسرعة إلى المسيحية، وجدوا أنفسهم يسألون بإلحاح عن "معجزة المسيح الرّب" مع أليغازر، وحين شرح لهم القس بجديّة تامة، كيف أن المسيح أحيا أليعازر بلمسة من يده، ضجّوا جميعًا وبصوت واحد: اللهم صلي على محمد؟

ومع ذلك، فما يحدث اليوم أخطر بكثير من أن ُيواجه بطرفة فلاحية ساخرة.

الفارق الجوهري بين ما جرى بالأمس ويجري اليوم، أن المسيحيين "جميعًا" مثلهم مثل المسلمين جميعًا، باتوا في مواجهة خطر المسيحية الصهيونية لا المذهب البروتستانتي وحسب، ذلك أن البعثات التبشيرية، ليست بالضبط "منظمات مسيحية" هدفها دعم وتوطيد أركان الدين المسيحي، بل هي منظمات "المسيحية الصهيونية" التي تقوم عقيدتها الروحية على رؤية إسرائيل كمصدر للخلاص الإنساني، وأن دعمها يصبّ في الهدف الروحي الأسمى: مساندة المخلص. وبالطبع، فقد عرفت المسيحية الشرقية في تاريخها أشكالاً من التحديّات الدينية والفلسفية وحملات القتل والاضطهاد، لكنها لم تواجه قط، خطرًا شبيهًا بالخطر الراهن.

إنه نمط جديد من "الاجتثاث من الجذور" لم تواجهه الأديان والثقافات في المنطقة من قبل. ولأن خطر التبشير شبيه بخطر الإعصار، فهو يضرب في كل مكان ودون تمييز؛ فإن للمرء أن يسأل عن الأثر المدمر الذي يمكن أن تخلفه هذه الضربات، وحيث يتجول المبشرّون بحرية تامة في مدن الوسط والجنوب وبغداد والموصل، ليوزعوا ملايين النسخ المجانية من الكتاب المقدس، أو تقديم دروس دينية بانتظام لآلاف الشبان والأطفال المسلمين في المدن والأرياف والبوادي، وتشجيعهم علنًا على التخلي عن الإسلام "الشرير" و "الدموي" و"الإرهابي" و "الظلامي" والانتقال إلى "مسيحية" خلاصيّة جديدة. والمثير للاهتمام في -بلد مسلم مثل العراق- أن الدروس الدينية التي تقدم للشبان الصغار تركز، بصورة رخيصة على تقديم الإسلام كمرادف للقاعدة، ونبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) كملهم للأشخاص "الانتحاريين" المتوحشين.

إن فهمًا عميقًا لهذا التلازم المريع بين أعمال القتل التي تطال المسيحيين، والحملات الرامية إلى تحويلهم إلى "المسيحية الصهيونية" واتساع رقعة "تنصير المسلمين" يتطلب رؤية الحقائق التالية في الحالة العراقية:

أولاً: إن أعمال القتل والتهجير المنظّم، سوف تؤدي -إذا لم يجر عمل حثيث وجاد في سبيل وقفها والحدّ منها- إلى تفكك "المسيحية التاريخية" مع الوقت، وإلى هوان وضعف ثم تلاشي ثقافتها الروحية، بما يمهد السبيل أمام "مسيحية جديدة" قادمة من وراء الحدود، قادرة ومهيأة للعب دور مهيمن على التاريخ والثقافة، وهذا وضع شبيه ومماثل لما حدث في القرن الثالث والرابع الميلادي، حين وجدت المسيحية الشرقية على المذهب النسطوري -في العراق وفارس- نفسها في مواجهة "الكثلكة" الرومانية -البيزنطية القادمة بقوة الإمبراطورية وسطوة الجدل الفلسفي الإغريقي حول شخصية السيّد المسيح، وكان موضوعها المركزي الانتقال من الناسوت إلى اللاهوت(أي القبول بالقوة والبطش بمذهب الطبيعة الواحدة في شخصية السيّد المسيح كرّب ونبذ الهرطقات الشرقية القائلة إن المسيح من طبيعتين متلازمتين، فهو إنسان وإله).

"
لعب النصارى العرب، المقاتلون منهم والرهبان على حدّ سواء، دورًا حاسمًا في صدّ "مسيحية روما" القديمة -ثم بيزنطة- ومنعهما من التغلغل والتسلل إلى داخل الكنيسة الشرقية، واليوم يتعيّن على المسيحيين العراقيين أن يقاتلوا في سبيل صدّ مسيحية روما الجديدة "المتصهينة" ومنع اقترابها من أعتاب كنائسهم
"
لقد لعب النصارى العرب، المقاتلون منهم والرهبان على حدّ سواء، دورًا حاسمًا في صدّ "مسيحية روما" القديمة -ثم بيزنطة- ومنعهما من التغلغل والتسلل إلى داخل الكنيسة الشرقية، واليوم يتعيّن على المسيحيين العراقيين أن يقاتلوا في سبيل صدّ مسيحية روما الجديدة "المتصهينة" ومنع اقترابها من أعتاب كنائسهم.

ثانيا: إن حملات "إعادة التنصير" هذه، تهدف بالدرجة الأولى إلى خلق جيل جديد من الأصوليين المسيحيين المؤمنين بواجب الدفاع عن إسرائيل "المقدّسة"، يمكن ويجب أن تكون مهمته التغلغل في العالم العربي وأن يكون مستعدًّا للعب دور "المبشّر المحلي".

ثالثا: إن خلق هذا الجيل الجديد من الأصوليين المسيحيين العراقيين، وهو خليط من "مسيحيين ومسلمين سابقين" سوف يلعب في المستقبل دورًا مدمرًا، وكما لاحظ خضر عواركة في كتابه الممتاز فإن آلاف الشبان المسلمين المتحوّلين بالتبشير الجديد إلى المسيحية الإنجيلية، ممن شاهدهم في مونتريال وديترويت وهم يتجولون في الشوارع رغم الصقيع والبرد القارص، لم يكونوا مجرد صيد سهل لشبكات التنصير وحسب، بل كانوا -كما لو أنهم تحت تأثير التنويم المغناطيسي- يقومون بحماسة مفرطة بتوزيع نداءات مكتوبة لدعم الاستيطان الصهيوني في فلسطين؟

الصيد الثمين بالنسبة للجماعات الإنجيلية، ربما لا يكون دومًا في الشوارع الباردة هناك، بل وتحت وهج شمس الشرق هنا، وحين تفتح نافذة أخرى للكتاب المقدس.. في مكان آخر؟

الأربعاء، أيار ٠٥، ٢٠١٠

نقد رواية المتروكة لـ خضر عواركة في صحيفة الزمان اللندنية : بين المناضل وعشيقته بندقية

l
ابوطالب البوحيّة


خاص الزمان




البطل رياض حالة خاصة ، انه يجمع بين الرجولة المبدئية التي تقف بثبات على قاعدة الدفاع عن الهوية والأصالة والحقوق المسلوبة وبين الرجولة التي تعني الفحولة المفرطة والتعلق بالأنوثة ومواطنها الغائرة في عقل الذكر المتقد ، فالجمع بين النضال والانتماء الى الأرض والعشق للاكتمال الجسدي اللاذع معادلة ذات توازن لا ينتج بسهولة ، رغم ذاك فأنها – أي المعادلة- دفعة مجزية تجعله واقفاً بصلابة أمام الانهيارات والانكسارات النفسية التي يقربها الواقع من البال ويعشعشها في الذاكرة.

(المتروكة) علاقة إنسانية بحتة تغور في البحث عن حضارة مسالمة يقف الجميع فيها على خط واحد ، أما الانطلاق فتهبه الذاكرة الجمعية للفرد والتكّون الأخلاقي والبناء الوظيفي العائلي والمناطقي والجيلي ، العلاقة في المتروكة بين فلسطيني ثائر (وإسرائيلية) تعي خطورة الكيان الذي تنتمي إليه بالجنسية ، هذه العلاقة عبارة عن تصّور معقد ثقيل المزاج تحتضنه الصفحات الأولى من الرواية.

ولعل هذا التصور الذي لا يقبله الجميع من منظور الخوف او التوجس والذي وقع فيه البطل نفسه (رياض) في علاقته من (ميا) أول الأمر جاء بسبب التعدد البيئي والمكاني الذي تواجد فيه وعاش كاتب الرواية خضر عواركة بين لبنان والخليج وكندا وأوربا إضافة إلى خريطته الواسعة التي يمتلكها في العلاقة الصورية مع من يقف في أقصى اليمين مروراً إلى من يتخذ أقصى الشمال موقفاً له ، رغم عدم ميل الكاتب أو انتماءه لأي جهة أو محل تحتويه هذه الخريطة جعل كاتب الرواية وأهّله للحديث عن علاقة (بور) أو علاقة (مشكوك) في إنتاجيتها.

في متن الرواية الأول يظهر بوضوح توجس البطل رياض من أمنيته الجسدية والنفسية ورفيقته وزوجته في ما بعد (ميا) ويعود السبب في التوجس كما ذكرنا من قبل أن (ميا) عبارة عن (إسرائيلية) تعادي الكيان الذي تنتمي إليه ذو الطابع الصهيوني العنصري المجرم ، فرياض هنا لم يستطع إخفاء أسئلته التي يثيرها القلق بين الحين والآخر ، فدهاء أعدائه يفضي عليه هذا الخوف والبحث عن أجوبة شافية لتكوين علاقة (الحرام) في الرقعة (الحرام) ضمن قضية أولها وآخرها (حلال جائز) كما يراها البعض.

وحين أرادت (ميا) ان تنهي ما تراه في عيني رفيقها في النضال والفراش على حد سواء وصاحب اشتعالها الذي لا ينطفئ قالت : (كنت اعتز كثيراً وافتخر بأني من نسل إبراهيم المختارين ، ولكني أعدت قراءة العدد التوراتي "وسجد إبراهيم لأهل الأرض الحثيّين –أي الفلسطينيين- حين أتى إلى كنعان مهاجراً من أور الكلدانية" ، جدنا سجد شكراً لأهل الأرض أما نحن فقتلناهم وطردناهم منها).

ومنها توالت الأحداث والتجارب التي جعلت من رياض في يقين لا يقبل الشك في أن (ميا) اليهودية التي كانت يوما تدافع بقوة عن كيانها العنصري ، تقف اليوم بقوة اكبر في التشهير بهذا الكيان وفضح أساليبه الإجرامية في التعامل مع الجميع صديق أو عدو ، بعد أن كشفت من داخله الصورة الحقيقية والإطار الذي يبنيه لنفسه على أجساد الناس ومصائرهم وذكرياتهم وإيمانهم.

في الفصل الثاني عشر من المتروكة تنتقل الأحداث نحو نهاية القصة الزمنية والمكانية لرياض وميا الزوجين الذين أنجبا طفلة واحدة ستكون في ما بعد هي وأحد ورثة رياض عائلياً وفكرياً حالة من الحراك الروائي الجديد ضمن التصور العام نفسه (للمتروكة) ، فمقتل أو استشهاد (رياض) و(ميا) انهى عشقهما الكوني المتذلل ، والمسرح الجديد هو (كندا- مونتريال) بعد ان كانت الخشبة السابقة (باريس) و(القدس) ، ستة عشر عاما من فقد رياض وميا تبدأ رواية جديدة تتداخل مع ما روي عنهما في الفصول الإحدى عشر الماضية.

البطولة هنا جناحان والطائر هو (الحقيقة) التي يحاول البطل عمار أن يجدها في كارول ، والاثنان عبارة عن ورثة المفاجأة والتوحد الغريب ، في مونتريال وفي سرد خضر عواركة لمجريات الأحداث وولعه بالحوارات ذات الطابع ألاستنهاضي المبني على العقل والتفكر لا على الهمجية او عدم اليقينية او العلمية ، نجد كأن (سيناريستاً) حكيماً يعلم من أين تبدأ العدسة في الالتقاط وأين تنتهي لإنتاج آخر مشهد من فيلم سينمائي درامي روائي سمين ، لتأتي النهاية على صفحات الورق والتي لا يمكن ان تجيء على الواقع المحسوس المعاش ، كالحياة تبقى نهاية رواية المتروكة مفتوحة لا تقبل الانغلاق عند نقطة معلومة ، لتمضي نحو ما لا يعرف في التكاثر والالتقاء والهجر والموت والفرح ونقيضه الحزن.

فالإرث الذي تسلمته (كارول) ابنة رياض دغلس وميا ديغال حوّلها إلى خبيرة في التنقيب عن مقعد يريح تفكيرها المرهق من انقسامها نصفين نصف (مسلم عربي) ونصف آخر غريب (يهودي منشق عن الصهيونية) وبتواجد عمار يتهيأ العمل المساعد لإتزان المعادلة الجديدة التي تأسست على حضور (رياض وميا) ، ولتكون صرخة المتروكة إشارة إلا واجب الدفاع عن فلسطين والقدس صاحبة التواجد الأكبر في فكر الأبطال الجدد والقدامى ، وحدها الصفحات الـ(256) تحمل جلّ التفاصيل في أن لا ترك لحبيبة مهما ابتعدت أو حل على أسوارها الموت.

(المتروكة) رواية عرف كاتبها الصحافي والإعلامي اللبناني خضر عواركة كيف يوصلها للمتلقي ، اشتبك خلال ذلك مع الكثير من المفاهيم الثابتة والمغلفة حينا بستار الحرام وحينا آخر بستار المنع والخوف ، رغم ذاك فأن ما أراده عواركة قد قدمه ، وما نريده نحن واجب علينا تقديمه.

رواية المتروكة فصول سردية حوارية شعرية تراءت لي مبنية على أساس متين تحلل وتستنتج وتهدم وتبني من خلال التواجد الفعال لأبطالها المختلفين.

المتروكة صدرت عن دار الاداب – بيروت في أذار – مارس 2010



الجمعة، نيسان ٠٩، ٢٠١٠

مقابلة خضر عواركة مع خالد مشعل - الجزيرة نت








خضر عواركة-الجزيرة نت

كشف رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن الحركة تعد مبادرة لتوحيد الصف الفلسطيني وراء خيار المقاومة، في حين قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي إن قيام الدولة الفلسطينية لا يأتي عبر التسوية وتقديم التنازلات المجانية.


ففي تصريح خاص بالجزيرة نت من العاصمة السورية، قال خالد مشعل إن حركة حماس تستعد لإطلاق مبادرة سياسية ستدعو إليها جميع الفصائل الفلسطينية تقوم على أساس رفض التسوية التي أثبتت فشلها وتتبنى خيار المقاومة لانتزاع الحق الفلسطيني.


وأضاف مشعل -الذي كان يتحدث على هامش مشاركته في احتفال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بنشر كتاب يروي سيرة حياة مؤسسها جورج حبش- أن "الحديث عن الدولة الفلسطينية في ظل الاحتلال المباشر وفي ظل الاستيطان، وغياب القرار الفلسطيني الحر في الضفة الغربية بسبب دايتون وبسبب الوصاية الإسرائيلية الأميركية، هو نوع من العبث".


المصير المحتوم
وفي الكلمة التي ألقاها بمناسبة إصدار الكتاب عن حياة الراحل جورج حبش، أكد أنه من غير المستغرب أن تصل عملية التسوية إلى مصيرها المحتوم بفعل التعنت الإسرائيلي والانحياز الأميركي مترافقا مع استمرار الانقسام الداخلي والضعف العربي.




وشدد على أن الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق يتمثل في تبني جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء خيار المقاومة، وأن "الذهاب إلى خيار إعلان الدولة هو مزيد من التضليل" لأنه لا يمكن قيام الدولة المستقلة فعليا إلا بعد تحرير التراب الفلسطيني.


من جهته أعلن زياد نخالة -نائب أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين- أن إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر عام 1988 كان عبارة عن وهم، وأن ما تسعى سلطة رام الله لإعلانه في الوقت الراهن هو استمرار لذلك الوهم.


وقال في تصريح خاص بالجزيرة نت -على هامش مشاركته في احتفال لتكريم ذكرى جورج حبش- إن "الاستقلال يتم عبر تحرير الأرض ودعم المقاومة والتمسك بالحقوق لا بتقديم التنازلات المجانية".


أوهام التسوية
واعتبر في حديثه أن فشل التسوية كان السبب الأساسي وراء قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله بالجري وراء أوهام جديدة تتمثل في السعي لإعلان دولة فلسطينية من طرف واحد.



فلسطين الدولة الحلم

"

ووصف نخالة كل من راهن في الماضي ويراهن حاليا على خيار التسوية بأنهم واهمون داعيا إلى تبني المقاومة خيارا وحيدا للشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه، وما عدا ذلك اعتبره مجرد أوهام "يخترعها من يتقاضون رواتبهم نظير دعوتهم لقيام الدولة عبر الاستجداء".


وعن المصالحة الفلسطينية قال نخالة "إن المصالحة موضوع آخر يستحق المعالجة والاهتمام" لكنها –بحسب رأيه- لن تنجح إلا إن توفرت لها الظروف والإرادة المناسبة، مؤكدا أن حركة الجهاد الإسلامي ستتعاطي مع كل ما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني

الأربعاء، آذار ٣١، ٢٠١٠

" المتروكة " الصادرة عن دار الآداب - بيروت


http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb185534-154347&search=books

صدرت عن دار الآداب - بيروت \ رواية المتروكة لخضر عواركة





الفصل الأول

لم يكن الشتاء قد استأذن باريس في أن يغادر باكرا هذا العام، رحل دون وداع مسلما أمانة المطر إلى ربيع المغرمين على الرغم من أن هؤلاء لا تمنعهم ظروف المناخ عن قضاء أوقات رومانسية وحالمة تحت الأغصان المزهرة في حدائق المدينة، رحل مخيف العجزة فسقطت إحدى الحجج التي تتوسلها بعض العاشقات ممن يتسلحن بالبرد لإستدرارعناق تائه من حبيب أصابه الملل.

عاشقات باريس، عابرات سبيل بمراكب حالمة فوق مياه "السين "، يختبرهن النهر فيطّهر بمياهه الصادقات في عشقهن، وينسج من صورهن أطياف الخيال الملونة على لوحة الأثير المسخّر لخدمة بهائه، أسماؤهن وجوه، وشفاههن صمت، وأجسادهن مثل زمهرير مضى زمن حراكه، ولا ينعشه شيء مثل صديق قديم يلاقيه على صفحة من أوراق كتابة الزمن بالذكريات.
والنهر كاتب يعرف كيف يميز بين مراكب يمتطيها الزيف، تلك التي لأصحابها أجساد تعوم على صفحته دون عناء لخفة مشاعرها، وبين أخرى تضج بصرخات المخاض، فولادة الحب لها مخاض يسكب التوائم الروحية الهائمة في قالب واحد ويحفظها في برزخ الخلود بالجسد .

ألامه مشاعرحقيقية تدفعها مشاعل تصطلي بشوق يحرق قلوب المحبين فلا تحتملها الأجساد، فيُسمع لها خوارٌ يشبه خرير ثلوج تذوب متأنقة بجمالها، متأبطة بإختيارها النور الذي قتلها.

أبناء السين الحقيقيون يُمنحون المتعة على مذبح قدسه ويتلقون قرابينه، فتنسحب أرواحهم إلى أعماق السعادة، ويسدلون ستائر تحجب الموت بقبلات لا تعرف إلا إستنشاق الحياة من ثغر الحبيب.
هي مدينة للرومانسية والعشق والأحلام، أما الواقع ففيه الحلم وفيه من اللهو والصخب والضياع ما يروي عطش عشاق هذا النوع من ارتشاف الحياة.
ومع أنه تعلق بالمدينة إلا أنها كانت تؤلمه، وتثير في نفسه الغَيرة والحزنَ، الغيرة من مدينة ليست من شيم المناضلين، ولكن مشاعر رياض الإنسانية المرهفة دفعته للتساؤل كلما رأى مواطنا باريسيا ، يتمتع بمدينته وبما فيها من إستقرار ومتع وطمأنينة :
" لماذا يحق للفرنسيين العيش في عاصمتهم، ولا يحق للمقدسيين العيش براحة بال في مدينتهم؟ .
لماذا لكل إنسان حق في وطن، ولا حق للفلسطيني في وطنه ؟
كان ينظر إلى الأطفال والشبان والمراهقين والشابات والمراهقات ويتسائل:
في الوقت الذي يعيش الباريسيون في مدينتهم دون أن ينكد عليهم محتل بمنع للتجول أو بحصار ، في نفس الوقت يعيش الفلسطيني في القدس الحصار والتضييق والإحتلال .
لاهم للعشاق في باريس إلا اللقاء ولا لقاء للعشاق في القدس بلا هم .
هم الجنود المنتشرين في احياء القدس العربية ليل نهار والسلاح ملقم وجاهز لقتل أي متمرد على الإحتلال والجرافات خلف الجنود على أهبة الهدم لأي منزل يختاره المحتل ليسفك حجارته وتاريخه على مذبح تزوير التاريخ بالحبر الذي يحمل لون دماء الفلسطينيين.
هل يخشى الباريسي الخروج ليلا ؟
إذاً لماذا على المقدسي أن يشعر على الدوام بالخوف من أسلحة وهراوات المحتلين ؟.
لماذا يحق للإسرائيلي في القدس الغربية أن يعيش حياته الطبيعية، ولا يعيش الفلسطيني إلا حياة النكد والقهر بفعل الإحتلال؟.
الدكتور رياض دغلس، الشاعر والأكاديمي الفلسطيني ،المقيم في باريس منذ عقد على التقريب، كان عاشقا لتلك المدينة، ولكنه بوصفه حراً وحراً وحراً كان حبه الأول للقدس العاصمة المحتلة لبلده المحتل.
وعلى الرغم من ذلك لم يستسلم للحنين ولا للغيرة، لأنه عرف أن حبيبته الجديدة والمؤقتة أي باريس، أعطته فرصة ليظهر حبه الأزلي والأول لإيلياء المقدسة، لأور سالم الكنعانية، لبيت المقدس العربية التي لم تكن أبدا في عرفه أورشاليم مع ما تعنيه الكلمة من قهره وإجباره على تناسي حقوقه في بلده، بدءا من تناسي حقه في عاصمة بلاده وانتهاء بكل حق له في فلسطين.
كان رياض مناضلاً ويعرف قيمة الفرص، وقد تمتع بما أعطته باريس من فرص للتعرف على ثقافات متعددة. تنوع جذور المقيمين في باريس و المهاجرين إليها للاستقرار أو للعمل أو للتعلم أو طلبا للأمان ،باريس هذه تُشعِر المراقب لأول وهلة وكأنه قد زار كل المناطقِ والبلادِ التي ينحدر منها من يسكنون هذه المدينة الكوزموبولتية.
لكل واحد من ساكنيها قصة، تحمل بعضا من ثقافة وتاريخ البلد أو المدينة التي أتى منها.
مثقفوا باريس بدوا لرياض وكأنهم عشاق يمرون على شفاه المدينة لتناول الغفران، هم يطلبون العفو، وهي تقدم لكل منهم قبلة بطعم البلاد التي أتى منها.
اختبر رياض هنا غير ثقافة وتعرف إلى غير حضارة، وكأنه زار غير قارة وعاش مع غير شعب.
معرفتهُ بكل تلك الثقافات جعلته يحترم ويعشق التنوع الموجود في بني البشر.
إختبر كثيرا من الصداقات، فأغناه كل صديق بما عنده من خير وشر، فازداد اقتناعا بأن الخير موجود في كل الشعوب والشر ايضا .
وتساءل :
لو أن ساكني القدس من كل الأعراق وفدوا إليها كما وفد المهاجرون إلى باريس طلبا للأمان أو سعيا للتغيير ... ألم يكن أهل القدس العرب ليستقبلوا الوافدين بالترحاب وبحسن الضيافة ؟
هل من أتى يحمل السلاح والدبابة والخديعة كمن أتى يحمل غصن الزيتون ؟
وهل المقيمون معا في باريس على تنوعهم أكثر قدرةً على التعايش من ساكني القدس ؟
الفرق بين المدينتين هو في الاختيار ...
باريس إختارت أن تصبح مدينة عالمية، والقدس أُجبرت على أن تذوب لمصلحة البديل المزيف والمغتصِب .
للمرأةِ الجميلةِ رغبات كما المدن، إن لاطفتها وسألتها وأحبتك وهامت بك تعطيك من نفسها بعضها أو كلها، أما المرأة المغتصبة فلا بد من أن تقاوم، ولا بد من أن تقاتل، ولا بد من أن تنتقم - لا لشيء - إلا لأن حقها في الإختيار قد سلبه مجرم جبار .
وفي القدس شعب الجبارين ،مهما طال النزال، لم ولن يستسلم .

لم تبخل باريس على رياض دغلس بما لديها، فقدمت له مكبر الصوت، وكاميرا التسجيل، وكتابا يتحدث بألف لغة عن قضيته.
ولم يتعب من كرمها الإعلامي والمعرفي، فإستخدم منابرها بأشد الطرق فاعلية ودوما في سبيل هدفه الوحيد أي تعريف العالم بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.
كانت باريس هي البرية التي قصدها يوحنا القرن العشرين ليصرخ فيها طلبا للعدل .
ومع كل حجر ألقاه طفل في وجه الدبابات الصهيونية ،ثم سقط شهيدا، كانت الدماء تغلي في عروق رياض طلبا للثأر، ولكن بطريقة حضارية تعتمد على تعريف العالم بالحق الفلسطيني الذي يجعل من أطفال فلسطين جنود المقلاع في حرب داوود وجوليات الحديثة.

كسبت إسرائيل برأي رياض دغلس ما لا يمكن تصديقه من خلال إظهار نفسها كضحية للإرهاب العالمي مع العمليات الخارجية للمنظمات الفلسطينية، وجاء وقت الإنتقام من البروباغندا الإسرائيلية الكاذبة التي إجتاحت العالم منذ العام 1948 .
العالم كله رأى أطفال الإنتفاضة وهم يهتفون وأقسى ما في أيديهم حجر، بينما عدوهم مدجج بكل أنواح السلاح .
لم يعد جيش الكذابين فعالا في أوساط الرأي العام العالمي.
في أحد الحوارات بين رياض ومناضلين لا يوافقونه الرأي بخصوص السبل الأنجع لدعم الشعب الفلسطيني قال :
" للمرة الأولى صار من لا يعرف شيئا عن قضيتنا يحفظ عن ظهر قلب أسماء القرى والحواجز التي على مداخلها.
إنها قوة المعرفة، وأخشى ما أخشاه أن تفهم إسرائيل خطر إنكشافها للعالم على حقيقتها العنصرية، فتُخرج لنا من جعبتها بعض العملاء، كي ينفذوا بإسمنا عملا يعيدنا، في نظر الراي العام الدولي، إلى مجموعة من الإرهابيين الهمج الذي يرقصون فرحا لموت الآخرين"
سـألوه بتأفف : هل علينا السكوت وأطفالنا يواجهون الدبابة بالحجر ؟
وأجابهم :

كم عربي في باريس وكم عربي في فرنسا ؟
فلنبدأ الآن بكسب الأصدقاء والمتعاطفين ببركة تلك التضحيات التي تنير للبشرية سبل الطريق إلى معرفة الجناة على حقيقتهم، فمعرفة العالم بحقيقة إسرائيل أشد خطرا عليها من كل سلاح قد يمتلكه الشعب الفلسطيني، لأن شرايين الحياة التي تضخ إليها أسباب البقاء متعلقة بموقف الناخبين في الغرب.
كان يكلم الكثيرين ولكنه لم ينتظر أحدا ليسير قدما في الطريق الذي حدده لنفسه، فقد عزم على تنفيذ مهمته بإعلان الثورة على جهل الغربيين تجاه ما يجري من إجرام ضد الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، وعقد العزم على النضال ما أمكنه لإيصال الصورة الحقيقية عن الصراع ، دوافعا وأسبابا وتاريخا ونتائج وأهداف .

كان يحمل هم فلسطين، وكأن لا أحد يهتم بها إلا هو .




الفصل الثاني: ساحة تروكاديرو 1988:


لم يكونوا كثرة، ولكن ضجيجهم كان يملأ عنان السماء، إنها البداية فقط، المتظاهرون لا زالوا يتوافدون إلى الساحة المجاورة لدار المسرح الكلاسيكي المطلة على باحة يتوسطها
" تور أيفل " الشامخ متكئا في غروره على الخيال الذي تخلقه فكرة زيارة رمز المدينة .

أراد المنظمون أن يستخدموا برج أيفل، لكي يكون في خلفية الصور التي ستلتقطها عدسات المصورين والتلفاز، لكي يصبح تور ايفل رمزا للمطالبة بحرية الشعب الفلسطيني، فدعوا للتظاهر في ساحة التروكاديرو.

أصحاب الدعوة إلى التظاهر كثيرون، من جمعيات الجاليات العربية في باريس، إلى منظمات ثورية يسارية صغيرة ، إلى هيئات طلابية ولجان دفاع عن حقوق الإنسان، ولكن اين
" الأحزاب الفرنسية " ؟ سأل رياض أحد مرافقيه الفرنسيين من زملائه الأساتذة في الجامعة فأجاب الأخير :
ربما وجدوا من المناسب لأمن إسرائيل والعالم الحر أن يحطم الجنود الإسرائيليين عظام المتظاهرين الفلسطينيين العزل .

مع الوقت كبرت التظاهرة وكثر المشاركون، وعلى وقع الهتافات ، ووسط عجقة السير التي كانت الشرطة تنظمها بصعوبة، دخلت من الجهة اليمنى للساحة مسيرة صغيرة تضم مئات المشاركين الجدد وعلى رأسهم إمرأة بملامح تماثل العارضات لا المناضلات، كانت ميا تحمل علم فلسطين في يدها وتلبس تي شيرت عليه صورة طفل يقف في مواجهة دبابة ويهددها بحجر ، وفوق التي شيرت كانت المرأة الشابة تلبس " الفيلد " الأخضر العسكري وتضع على رأسها
" بيريه " غيفارا وحول عنقها كوفية فلسطينية حمراء .

مرت ميا ديغال بالقرب من رياض مخترقة المتظاهرين الموجودين قبلها في المكان، نظرت إليه بشاربه الخفيف وملامحه الجميلة وطوله الفارع، ركزت نظرها على عينيه الهادئتين، ثم تبسمت له عن قرب، و حين أصبحا وجها لوجه فاجأته بصرخة من مكبر صوت تحمله:

" رابين أساسان ،رابين أساسان ....إسرائيل أساسان ...إسرائيل أساسان "

أزعجته قوة الصوت لا نبرة الصدق في موجاته، تابعها بنظراته بين فينة وأخرى .
قال له صديقه : لقد تقصدت تلك الرفيقة إزعاجك لتلفت نظرك، ومع أنك لست وسيما إلا أنه يبدو أنّ ملامحك الفلسطينية أثارت اهتمامها.
رسم رياض على شفتيه بسمة ماكرة وقال : كلود ..أين نحن من هذا الكلام الآن ؟

كلود: كنت أمزح لا تغضب ، نسيت أنك مثل عرفات متزوج من القضية .

ضحك رياض مرة أخرى بمكر أكبر وقرب شفتيه من أذن الصديق وقال :
تزوج عرفات القضية فعلا.... ولكن يا خوفي من خيانة زوجية يا صديقي.

تتابع اعتلاء الخطباء للمنبر ثم جاء دور رياض .

صعد إلى الحافة – المنبر، ناوله أحدهم مكبر الصوت في يده، لم يفتح ورقة ولم يفكر كثيرا فيما سيقول، صمت لثوانٍ ثم قال بفرنسية جميلة:



خذوا يدي وحطموا عظامي أنا

ولكن طفلي هذا اتركوه ..

طفلي المضروب بعصاكم ...

أرجوكم لا تقتلوه

طفلي المهشمة عظامه

....لا تسحقوه

قلبي دام من ضرباتكم

أما كفاكم ؟؟

لا تستضعفوه

لا تنسفوا بيته

لا تجبروه

على قهر الموت بالموت


لا ترغموه


هو يحلم بأن يكون حرا ...

بقراره ...... بحبه

بعشقه

لا تشاركوه ..

لا تعطوه خيمة ولكن ...

اتركوه يبني بيتا

انتم دمرتموه



كم سيطول صبر المقتول

والمسجون

آه لو تعرفوه

آه لو تفهموه

هذه الارض

هذه سماءنا ... ...

في بيت الله كان سلام قبلكم ...

سلام الله بقهرنا لا

لن تنالوه

تعالت أصوات الاستحسان من المحتشدين تطالبه بالمزيد، وألقى رياض الكثير من قصائده المشهورة .

بعد نزوله عن حافة الساحة (المنبر) قفزت " ميا " برشاقة إلى مكان وقوف الخطباء،
وكانت لا تزال تحمل المكبر بيدها، بدأت تهتف للحشد فاشتعلت أصوات المتظاهرين بالهتاف لفلسطين.





الفصل الثالث

أسرع ورفاقه الخطى على السلالم الكهربائية فقد سمعوا صوت القطار يصل إلى الرصيف الذي يقصدونه..
نظر إلى الخلف بعد أن تجاوزها، رائحة عرقها دلته عليها، لن ينسى تلك الرائحة أبدا، لم تكن رائحة عطر ولا آثارا بائتة لكريم معطر، ولا هي مسك البخور وعنبره، كانت لجسدها رائحة النضال والتمرد و الحنان، اشتم تلك الرائحة لحظة مرت بقربه وهتفت بالمكبر .

كانا يومها يتمثلان الحياة البرية لكائنين بدائيين، و يبعثان بالرسائل الغريزية إلى بعضهما البعض مطلقـَين عطرا طبيعيا للجسد فيه دعوة للتكاثر. هكذا جذبته، وهكذا لفت نظرها منذ اللقاء الأول لعينيها بعينيه.
وقف ينتظر وصولها إلى محاذاته، وأسرعت هي في خطاها معينة السلم الكهربائي على حملها إليه.
أمسك بيدها مصافحا على عادة العرب غير مقبل لخدها على عادة الفرنسيين، ولكنها لم تترك يده تفلت منها، بل وجدها بعد المصافحة تضع أصابعها بين أصابع يده، وتواطأ هو مع رغبتها التي تراوده عن ملمسه :

" أنا سعيد بحماسك لقضية فلسطين على الرغم من صمم أذني من صراخك "

ميا: إذا أنت هو الشهير رياض دغلس ؟ أنا ميا ديغال.....

لكنتك ليست فرنسية ؟ سألها رياض فأجابت :

أنا فرنسية مولودة في إسرائيل، وحين تقدمت بطلب لجوء إلى مخيم جنين رفض طلبي، فاضررت إلى الهجرة إلى فرنسا واستعدت هويتي الفرنسية فوالداي إسرائيليان من أصل مغربي - فرنسي .

كان مشغولا في اختيار كلماته التي سيحادثها بها، ولكن بسمة سرقت ألوانها من لون عينيها ارتسمت على شفاهه، ثم تحولت إلى ضحكة مجلجلة شاركته فيها، هو ضحك الفرح الطفولي الذي يبدو للآخرين بلا سبب، بينما تنشغل آلاف الأفكار الجميلة بدغدغة أرواح الأطفال وتتنزع ضحكاتهم.

لم يبدو عليه التعجب لكونها يهودية، فهو كان قد تعود على مصادفة يهود معادين لإسرائيل ولجرائمها، مثلما تعود أيضا على مصادفة عرب وفلسطينيين تبلغ سرعة ارتكاب الخيانة عندهم سرعة الضوء .

رياض: تسكنين في... ؟
ميا : لا ديفانس ، هل طريقنا واحد ؟

رياض : أوه كلا ...ابدا ..أنا اسكن في الضواحي الشمالية ولكن لماذا لا نجعل لحظات التعارف تمتد أكثر ؟ سأرافقك إلى لا ديفانس، أعرف مقهى جميلا في شارع سلفادور اللندي في تلك المنطقة ما رأيك ؟

نظرت إليه نظرة المرأة إلى الرجل لا نظرة مناضلة إلى رفيق النضال، رأت في عينيه الرجل الذي تحن أحلامها إليه، ورأى فيها الغريبة التي مدت يدها لشعبه فأراد أن يصافح تلك اليد ويشد عليها ولو بفنجان قهوة .
هكذا حدث نفسه ليبرر إندفاعه العاطفي الغريزي نحوها ، ابتسم وابتسمت ثم قالت :

ميا : أليس لديك أصدقاء ترافقهم في رحلتهم ؟

نظر إلى رفاقه وبينهم نساء عربيات، أو على الأقل ذاك ما كانت توحي به ملامحهن فقال :

رياض: يعرفون طريقهم جيدا لا تقلقي، المهم آلا يثير موعدنا الغرامي الأول غيرة حبيبك .

قال ذلك وعاد للالتفات إلى اصدقائه المنتظرين على بعد خطوات، أشار إليهم مودعا فبادلوه الإشارة بتحية وداع وابتعدوا .
عاد لينظر في عينيها الصافيتين كمياه المتوسط في فصل ربيع دافئ، لاحظ خديها المتوردين كتفاح الجليل الملوح بلفحات الشمس العربية الفلسطينية، فتمنى في نفسه أن يعود طفلا من أولئك المسموح لهم بتقبيل الغريبات فور لقائهن لصغر سنهم .

ابتسمت لنظرته وبادلته التأمل في مفاتنه الجسدية كما كان يفعل هو في تأمله لها، أحست في تلك الأثناء بمعنى أن ترى القطة المستوحشة قطا ذكرا في موسم التزاوج، ورأت في عينيه تلك الدعوة إلى التفاحة الآثمة التي قدمتها حواء لآدم، ولكن رياض هنا كان يستعمل في عينيه المجاز والتشبيه. كان كل ذلك يحدث بينهما وفي نفس الوقت كان رياض يسترق بعض ومضات التفكير العقلاني فيما هو مقدم عليه، قلـّبها في هواه على كل الإحتمالات وانتهى بترك مشاعره تأخذ مداها الطبيعي، ولم يحاول إيقاف إنزلاقه السريع في مهاوي العاطفة التي قدحت شرارتها نبراتها المتحمسة لفلسطين، هكذا هو رياض، كل شيء يبدأ من فلسطين وكل شيء ينتهي عندها. حتى الحب والهيام، لو لم تكن ميا مناضلة وثائرة كما بدت له في تروكاديرو لما أثارته نظراتها ولما لفتت نظره أبدا.

أما هي ، فقد اعترفت لنفسها بأنها معجبة به مما سمعت عنه ومما قرأته له، كانت تحس وكأنها تعرف صوته قبل أن تسمعه، وتعودت على مزاجه من دواووينه التي قرأتها، لذا قالت في نفسها " لقد أحببته منذ سنوات منذ قرأت له أول قصيدة وأول مقال .

" ليس لدي حبيب " قالت وابتسمت عيناها قبل ثغرها كمن تشير إلى الآخر أن أقدم ولا تتأخر ثم تابعت ويدها لا تزال في يده:
ولكني أبدو اليوم مثل قطة تبحث عن زوج في شهرفبراير أليس كذلك؟
ضحك ثم حاول سحب يده من يدها فشدت عليها ومنعته فرضخ وقال:
وهل انا القط المستهدف؟
أحست بالخجل من نفسها فتركت يده ولكنه لم يسحبها بل غير طريقة إمساكه بها :
ميا: أنا امرأة راشدة وأعرف أنه من المعيب التصرف كمراهقة ولكني اليوم متعبة ومرهقة وفرحة في الوقت نفسه لأني حظيت بك أخيرا، لذا لا يهمني الشكليات ، ولن أركن إلى التمثيل عليك بأني لا أكن لك إعجابا شديدا بسبب كتاباتك وبسبب ما تقوله الصحافة عنك وعن تأثيرك المتزايد على الجامعيين وعلى المثقفين.
قال لها :
اسمعي أيتها القطة المفترسة، آخر مرة تحرشت فيها بفتاة كانت منذ زمن طويل، فما رأيك أن نكافيء أنفسنا الليلة بأن نتعرف على بعضنا البعض ؟
أطلقت ضحكة مدوية وقالت:
أظننا سنتفق مادمت تعرف كيف ترمي قناع الوقار وقت الحاجة، نعم لا بد من أننا سنتفق.

كانت فعلا خالية البال عاطفيا، فعملها في الصحافة وفي التعليم الاكاديمي لم يتركا لها الكثير من الوقت لتلتقي مع رجل يثير في مشاعرها الحميمة الرغبة بالإنطلاق . كانت طويلة هي الشهور التي لم تقم فيها علاقة جسدية مع أحد ما، وبعيدة جدا تلك الأيام التي كانت لها فيها قصة عاطفية ملتهبة.

أمسكت بذراعه وحرّكته ليمشي دون أن تتكلم كما يحرك البخار المحركات بلمس مشاعرها، فقد جعلتها نظراته الهوجاء والمشتعلة تنسى بأي لغة يجب أن تكلمه .

مشيا سويا واختفيا بين آلاف العابرين في أنفاق المحطة، ولكن عطرٌ للحب عبق في فضاء المكان، وحامت فوق رؤوس المسافرين اسراب من طيور الحب ولدت كسراب لا يراه إلا المختارون من روحي ميا ورياض، وبقيت بعد رحيلهما تزين المكان....

كان المراقب لميا ورياض وهما جالسان على مقعدين متقابلين في عربة المترو المنطلقة كسهم، لو دقق في فضاء الهالة السحرية من حول الوجود الذي يسكنانه للاحظ كتابات بألف لغة ولغة تنتشر في الجو، لغة تقول أحرفها وتنطق بأن حبا وعشقا رائعا ولد في تلك اللحظة، وفي تلك المساحة التي تنعدم منها أي إمكانية لرؤية السماء والنجوم ، في تلك الأجواء السوريالية حولت عواطف رياض وميا سقف المترو إلى سماء بآلاف الشموس و ملايين النجوم، و أشرقت شمس حياة مشتركة بين قلبين لم يألفا من قبل ذلك النوع من الضعف العاطفي تجاه فرد لا تربطهم به معرفة عميقة ... وما الضير ؟
سؤال واحد عكر صفو تلك الجلسة :
رياض: ماذا لو كنت جاسوسة للموساد أيتها الفاتنة ؟
الفصل الرابع :

لا يتعمد السارق أن يقتل وهو ينفذ عملية سطو مسلح ، إلا إن وقف المقتول في طريق هربه أو حاول منعه من تحقيق هدفه . السرقة هي الهدف ، أما القتل فليس هو الوسيلة ولكن إن احتاج الهدف إلى القتل ليتحقق فسيكون القتل هو الوسيلة .

شعب أراد أن يعود إلى ارضه المقدسة وحاول الهمجيون منعه من ذلك فوقعت الحرب وهزموا وانتصرنا فأين الجريمة في ذلك ؟

كل يعرف صلاة استمر تردادها لآلاف الأعوام :

" العام القادم في أوروشاليم "

" نعم قاتلنا و قتلنا من وقف بوجهنا ليمنع عنا سبيل أرض الأباء والأجداد، أرض أعطاها الرب لنسل إبراهيم ، من مات فإنما دفن نفسه بنفسه "

هذا الكلام ومثله الكثير مما يشبهه قيل للطفلة والمراهقة والشابة ميا ديغال في المدرسة وفي النادي وفي المنزل، سمعته من الأهل وسمعته من الأصدقاء و ومن الأقارب و سمعته في الكنيس .

أما بعد يوم السادس عشر من أيلول 1982 ، فلم يعد هذا الكلام مقنعا لها.
تسائلت بينها وبين نفسها:

إن كان القتل وتشريد العرب البرابرة قد تم لمحاولتهم الاعتداء على الدولة الفتية في الثمانية والأربعين، وإن كان عبد الناصر دفع ثمن تحضيره لمهاجمة إسرائيل في العام 1967 بهدف رميها في البحر، فسبقته الأخيرة واحتلت سيناء والقدس والضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة ، فما ذنب أهالي صبرا وشاتيلا ليقتلوا ببشاعة؟

لقد سمعت ميا من رفاق فلسطينيين في الجامعة عن مجزرة دير ياسين، ولكنها لم تدقق في صحتها، وسمعت عن إجرام الشتيرن في الاربعينيات ولكنها اعتقدت بأنها جزء شاذ من مجمعات مقاتلة شكلت جيش الدفاع !
أما مجزرة صبرا وشاتيلا في العام أثنين وثمانين، فقد فعل الإعلام الذي نقل صور المجزرة فعله في نفوس أصحاب القلوب الرحيمة وميا منهم، فوصلت رائحة الجثث المشوهة إلى أنوفهم ، تلك المجزرة قلبت كيان وعقل ميا ديغال رأسا على عقب .

" سألت نفسي في ذلك الوقت، كيف يمكن أن تكون إسرائيل دولة أخلاقية ومحقة فيما فعلته في الماضي ثم تقوم بمجزرة مروعة كمجزرة صبرا وشاتيلا "

قالت لرياض في واحدة من جلساتهم الحميمة :
لم أكتفِ كما فعل الكثيرون بالتظاهر للمطالبة بالتحقيق في مسؤولية جيش إسرائيل عن تلك الجريمة ضد الإنسانية التي فاقت خيال كل إنسان . كنت بحاجة لدليل يعيد لي إيماني بدولة إسرائيل، دليل يثبت بأنها ليست آلة ظلم وقتل للآخرين، فقط لأنهم ليسوا يهودا .

شاركت في التظاهرة التكفيرية عن المجزرة التي طالبت بلجنة تحقيق تحدد مسؤولية وزير الدفاع ارييل شارون ورئيس الوزراء مناحم بيغن ورئيس الاركان عن المجزرة .

مظاهرة تكفيرية لأن معظم من شاركوا فيها بقوا على إيمانهم بالمواطنة في الدولة، اما أنا، وبعد أن أعدت دراسة التاريخ الإسرائيلي منذ بداية القرن العشرين، فقد تأكدت من أنّ المجزرة لم تكن أمرا عابرا في تلك اللحظة التاريخية، بل إنّ المجازر هي الوسيلة الوحيدة التي حققت لإسرائيل ما ارادته من تطهير عرقي بحق الفلسطينيين، حتى هرتزل تحدث عن أخلاقية القيام ببعض الأمور الضرورية لدفع السكان المحليين إلى خارج دولة إسرائيل .
هدف إسرائيل هو الحصول على الأرض، وكان على الارض شعب ، فقامت عن سابق تصور وتصميم بتنفيذ المجازر بحق المدنيين العرب في حرب الثمانية والاربعين، وحرصت على التأكد من انتشار خبر المجازر بشكل مضخم ، فهرب أهل الأرض من الفلسطينيين للنجاة بحياتهم . هكذا عرفت بأني مواطنة في دولة، لكل واحد من رعاياها نصيب في إرث الدماء الفلسطينية التي سالت في سبيل السيطرة على الارض .

إذ كيف يمكن لدولة ديمقراطية بنت جيشها من المتطوعين العقائديين المتعلمين والمثقفين أن تسمح ( وتسهل ) لوحوش بشرية لكي تدخل إلى مخيمات لم يكن يسكنها وقتها إلا العزل والنساء والأطفال ، فيذبحون منهم ثلاثة آلاف ويزيد بدم بارد وبمساعدة كشافات الجيش الإسرائيلية التي أنارت لهم المكان، وحولته إلى نهار مستمر لثلاثة ايام من القتل المستمر .

يومها (أضافت ميا لرياض) :
بدأت البحث من جديد عن أخلاقية دولة إسرائيل، ليس لأدينها بل لأبرئها مما ظننته غلطة تاريخية غير مقصودة، لا تليق بالدعاية التي تربينا عليها بصفتنا مواطنين في دولة ديمقراطية.
اعدت قراءة التاريخ اليهودي من إبراهيم إلى جابوتنسكي وبيغن ،إنتهاء برابين وشامير، مرورا بالأسباب الموجبة لتأسيس الدولة في أرض الأجداد .
أمر واحد لفتني في معناه، أوغندا ....ثلاث سنوات من عمر الحركة الصهيونية كانت خلالها إسرائيل مشروعا ينبغي القيام بتنفيذه في أوغندا!
،أوغندا في إفريقيا وليس لليهود فيها إدعاء ديني .
ثلاث سنوات وكل الجهود الصهيونية في العالم منصبة على تحقيق حلم الدولة الصهيونية والوطن القومي لليهود في أوغندا .
فجأة عادت السياسة البريطانية لتجد لنفسها مصلحة في وطن قومي يهودي بقيادة صهيونية في فلسطين .
أضافت ميا لرياض:
وجدت نفسي أبحث وأبحث وبدأت قناعاتي الدينية والقومية السياسية والروحية تتفكك واحدة بعد الأخرى .
كنت أعتز كثيرا وأفتخر بأني من نسل إبراهيم المختارين، ولكني أعدت قراءة العدد التوراتي
" وسجد إبراهيم لأهل الأرض الحثيين (الفلسطينيين) حين أتى إلى كنعان مهاجرا من أور الكلدانية."

جدنا سجد شكراً لأهل الارض أما نحن فقتلناهم وطردناهم منها .

كنت أملك شعوراً رائعا بالغرور ، شعوراً يملأني لذة أنني يهودية عاد أهلها من المغرب إلى ارض الأجداد، ولم يعد هناك من إمكانية لإضطهادنا كما فعل النازي، وإكتشفت بالبحث أن أجدادي لجأوا إلى الأمان في المغرب الإسلامي هربا من الأندلس الصليبية بعد سقوط الإمارات الإسلامية فيها .
من قام بالمحرقة هم النازيون الأوروبيون ومن قتل أجدادي في الأندلس هم الأوروبيون ومن سحق اليهود في روسيا هم الأوروبيون وسألت نفسي:

" لماذا هم اصدقائي الآن، والعرب الذين هرب أجدادي معهم من إسبانيا ليعيشوا سويا في الدولة العربية المغربية هم أعدائي اليوم "
وحصلت على الجواب :
ربما كانت الحاجة إلى دولة يهودية تنطلق من شعور اليهود بعدم الأمان نتيجة لكراهية الأروبيين لهم، ولم يكن الأمر موضوعا دينيا أو قوميا .
لهذا لم يكن يأبه مؤسسو الحركة الصهيونية بالمكان ...أوغندا ،فلسطين، الارجنتين ، بلد يحمي المضطهدين اليهود وكفى .
اليوم وفي الوقت الحاضرمن يضطهد من في أوروبا وأميركا ؟

سألت نفسي تقول ميا لرياض وهي تروي له قصة بحثها في التاريخ الإٍسرائيلي وتتابع:
نطق باحث بما يخالف القصة الإسرائيلية للمحرقة في باريس فخسر عمله وأصدقاءه ودخل السجن ...
بروفيسور أميركي نشر كتابا تحدث عن محرقة لكثير من الناس فقط فدخل السجن، و جامعته طردته ولم يوظفه أي مركز أكاديمي، فتعرض للإفلاس ومات من القهر والتشرد.

من يريد من الباحثين أن يحصل على نوبل عليه أن يظهر دعمه لحق المجتمع الغربي بسجن كل من يعلن العداء لليهود ، وهذا أمر جيد لنا بوصفنا يهوداً ولكنه يوضح أمرا هو بالأصل جلي .

اليهودي لم يعد يحتاج لوطن يحميه ، صار العالم كله حاميا لليهود، لا بل إن اليهودي صار في وضع أفضل بكثير من غيره في أوروبا وأميركا على المستوى العام .

من يجرؤ من مرشحي الرئاسة الأميركية على التعرض ولو بكلمة لليهود ؟ بل من يجرؤ من مرشحي الكونغرس أو البلديات أن يتعرض لليهود بكلمة ؟

صار العالم آمنا لليهود، والمكان الأقل أمنا في العالم لليهودي هو إسرائيل... يا للمفارقة .


كنت أظن أنّ الرب نصرنا على العرب في الثمانية والأربعين ، لأكتشف أنّ الرب لم يكن يحتاج ليتدخل إلى جانبنا، لأننا كنا نملك القوة الساحقة والعرب بجيوشهم مجتمعة لم يشكلوا أي تهديد حقيقي لا في وقتها ولا اليوم (من الناحية العسكرية البحتة) مئة وعشرون الفا من خيرة جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية انتقلوا بسلاحهم إلى فلسطين وهزموا ثمانية وعشرين الفا من الجنود العرب عديمي الخبرة والتسليح ، ثم تدخلت الأمم المتحدة والدول الكبرى التي كانت تتحكم إداراتها بمعظم القرارات العربية فضلا عن أن الأنظمة العربية كانت كما اليوم متعاونة وعميلة للغرب .

حينها وصلت إلى قناعة أخلاقية ، وجودي في إسرائيل لم يعد يعطيني الإحساس بالانتماء، صار الشجر والبحر والجبال كل منها على حدة يصرخ بوجهي " اخرجي من هنا فليس هذا دارك "
صرت أصحو في الليل وأنا أصرخ ، لأني صرت أحلم بثلاث مئة مليون قتيل عربي دماؤهم تفيض علي من النهر وتغرقني .

كان في حينا امرأة مارقة، كانت تموت من السرطان ،لم يزعجها أحد ، لأنها كانت أيقونة من حرب الإستقلال كما كنت أسمي التطهير العرقي في فلسطين.
بطلة حرب إنشاء إسرائيل تحولت مع العمر إلى أكثر اليهوديات كراهية لإسرائيل، ولكنها بقيت هناك لكي تناضل من أجل الفلسطينيين. ربّت أبنها بوصفها أماً عازبة وزرعت في نفسه وعقله حب العدالة . كبر ليصبح سينمائيا، وفيلمه الأول كان عن مأساة المخيمات الفلسطينية ، أما هي وعلى الرغم من مرضها كانت تذهب كل يوم إلى جنين لكي تعلم الأطفال المسرح والموسيقى .
ذهبت معها إلى مخيم جنين وبقيت فيه عاما كاملا .خرجت بعدها منه إلى السجن الإسرائيلي بتهمة مساعدة الإرهاب، ثم إلى فرنسا ولن أعود أبدا إلا لأناضل في جنين وفي غير جنين هذه قصتي يا رياض فهل هناك احتمال جاسوسة